الجمعة 2 محرم 1442 هـ

الموافق 21 أغسطس 2020 م

الحمد لله، الواحد القهار، الملك العزيز الجبار، حكم بالفناء على هذه الدار، وأخبر أن الآخرة هي دار القرار، وهدم بالموت مشيد الأعمار، وجعل في تعاقب الليل والنهار عبرة لأولي الأبصار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي قضى بزوال هذه الدار، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المصطفى المختار، القدوة المثلى في العمل لحسن الخاتمة وعدم الركون إلى هذه الدار، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأبرار، وتابعيه الأخيار، إلى يوم البعث لدار القرار. وسلم تسليماً كثيراً ما تعاقب الليل والنهار.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى :(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: إن مقام عبودية الإنسان لله جل وعلا، وسام عز لا ينتهي، وزاد شرف لا ينقضي، فلا تحده الليالي والأيام، بل ولا الشهور والأعوام، إنه يبقى ما بقي الإنسان في كل زمان ومكان.. وإن شر ما بليت به النفوس يا عباد الله! الغفلة عن هذا المقام العظيم، والتفريط في جنب الإله الكريم، والرب الرحيم، وما يسببه ذلك من انشغال وانغماس في الدنيا، ونسيان للموت والدار الآخرة، فيقع المفرط في مغبة تفريطه، وقد يصاب بسوء الخاتمة والعياذ بالله.. وإن في مرور الليالي والأيام لعبراً، وفي تصرم الشهور والأعوام لمزدجراً، وإن مواعظ الزمان أبلغ من مواعظ فصيح اللسان، ومن أُعطي البلاغة والإبداع والبيان؛ ولكن ما يحس بذلك إلا الكيس الحازم، العاقل العازم، الذي ينشد حسن الخاتمة، ويعمل لساعة الاحتضار الحاسمة.

أيها المؤمنون: ما دمنا جميعاً نوقن بأن الموت نهاية كل حي في هذه الدنيا، وأن بابه سيلجه كل أحد، وكأسه تتحساها كل نفس، وأنه خاتمة المطاف ونهاية التطواف في عالم الدنيا، فإنه يجدر بنا، وقد ودعنا أمسِ عاماً هجرياً كاملاً، وختمنا سنة كاملة من أعمارنا، ما أجدرنا أن نقف وقفة حازمة مع النفوس، نذكرها بهذه الخاتمة، وأهميتها في حياة الإنسان، والإشارة إلى الوسائل والعلامات والصفات لحسن الخاتمة، والتحذير من أسباب سوئها عياذاً بالله.

وتأتي أهمية هذا الموضوع، من أن كل إنسان يطلب حسن الخاتمة، وينشد الميتة الحسنة؛ ليفوز بما بعدها، ويخشى من سوء الخاتمة، وميتة السوء؛ لشدة ما بعدها وهوله، إضافة إلى داء الغفلة، وقسوة القلوب الذي بُلي به كثير من الناس.

وأيضاً: فإن مناسبة الزمان، واختتام العام يتطلب ذلك، والله المسئول أن ينفعنا جميعاً بِما نسمع، إنه جواد كريم.

أيها الإخوة والأخوات في الله: لقد جاء في كتاب الله سبحانه التأكيد على أهمية حسن الخاتمة، يقول تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ويقول سبحانه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) فالأمر بتقوى الله عز وجل وعبادته مستمر حتى الموت؛ لتحصل الخاتمة الحسنة، وقد ورد أن الأعمال بالخواتيم، وإذا كان الإنسان لا يدري متى يفجؤه الأجل، ولا متى يباغته الموت، فإن عليه أن يستعد لهذه اللحظة المفاجئة بالعمل الصالح، لا فرق في ذلك بين الكبير والصغير، والغني والفقير، والشريف والحقير، والمأمور والأمير، والحاكم والمحكوم، والشاب والشيخ، والذكر والأنثى، الكل متجرع مرارة الموت لا محالة.

فالخوف كل الخوف أن تفاجئ الإنسان هذه اللحظات القاسية، وهو على حال سيئة، ولذلك كان السلف الصالح رحمهم الله يخافون من سوء الخاتمة خوفاً شديداً مع كثرة أعمالهم الصالحة رضي الله عنهم، قال بعضهم: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خـطْرة، وعند كل حركة، وهم الذين وصفـهم الله بقـوله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) وينبغي أن يكون الخوف من سوء الخاتمة ماثلاً في كل لحظة أمام عين الإنسان؛ لأن الخوف باعث على العمل. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من خافَ أدلَجَ ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ) لكن إذا أحس العبد بدنو أجله، فينبغي أن يغلب جانب الرجاء لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) وبهذا يُعْلَم يا عباد الله أنه من الخطأ والإفلاس أن يعتمد بعض الناس على سعة رحمة الله، وعفوه ومغفرته، فيدفعهم ذلك إلى الاسترسال في المعاصي، والاستمرار على المحرمات، فيندمون عند مفاجأة الأجل ولات ساعة مندم.

أيها المسلمون: إن من أعظم الوسائل لحسن الخاتمة: صفاء العقيدة، وقوة الإيمان، والحرص على سنة الحبيب المصطفى، والمحافظة على الصلوات الخمس والإقبال على القرآن والمداومة على ذكر الله سبحانه ويجمعها: المحافظة على الطاعات والبُعد عن المحرمات وكثرة الاستغفار، وملازمة التوبة، والإلحاح على الله بالدعاء بحسن الخاتمة.

كان التابعي عامر بن ثابت بن الزبير رحمه الله إذا صلى رفع يديه قائلاً: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، فقال أبناؤه: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد فقام وصلى، فقبض الله روحه وهو ساجد. ألا ما أحسن هذه الخاتمة وأجملها.

هذا وإن لحسن الخاتمة يا عباد الله: بشائر وعلامات، أفصحت عنها السنة المطهره، منها: النطق بكلمة التوحيد عند الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) ويا لها من بشارة طيبة وفعل حسن، أن يموت الإنسان على التوحيد والشهادة، ولكن هذا لا يتأتى إلا لأهل هذه الكلمة العظيمة، العاملين بمقتضاها، والعالمين بمعناها. وأما غيرهم فإنهم قد يُحال بينهم وبين نطقها عياذاً بالله، فيصاب بسوء الخاتمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال بعض السلف: أحذركم (سوف)؛ فإنها أكبر جنود إبليس. أيها الإخوة في الله: إن من أسباب الخاتمة السيئة: استمراء طول الأمل، وهو سبب شقاء كثير من الناس، فيزين الشيطان لهم أن أمامهم أعماراً طويلة، يبنون فيها آمالاً شامخة، وحظوظاً كثيرة، فينسون الآخرة، ولا يتذكرون الموت. وقد أورد العلامة ابن القيم رحمه الله أن من عقوبات الذنوب والمعاصي: أن قلب الإنسان ولسانه يخونانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله جل وعلا، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، نسأل الله السلامة والعافية وحسن الخاتمة.

وقد أورد أهل العلم نماذج من القصص في سوء الخاتمة، فذكروا أقواماً عجزوا عن قول: (لا إله إلا الله) عند موتهم، ورددت ألسنتهم ما تعلقت به قلوبهم في الدنيا من حرام أو مباح. فقد قيل لرجل كان يشرب الخمر، قل: لا إله إلا الله، فقال: اشرب واسقني، ودعك من هذا الكلام ثم مات. وقال أحد السلف: حضَرتُ رجلاً عند الموتِ يلقَّن: لا إلهَ إلا الله، فقال في آخر مَا قَالَ: هُو كافِرٌ بهَا، ومات على ذلك، قالَ: فسألتُ عنه فإذا هو مُدمِنُ خمرٍ. وقيل لرجل من أكلة الربا: قل: لا إلهَ إلا الله، فقال: عشَرةٌ بأحدَ عشَر، وقيل لآخر: اذكُرِ الله، فقال: رِضا الغانية فلانة  أحبُّ إليَّ مِن رِضا الله، وكان يميل إلى الفاحِشَة، وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال: يا رُبَّ قائِلةٍ يَوماً وقد تَعِبت: أينَ الطريقُ إلى حمّام منجَابِ؟. وكان خَدَع جَارِيةً تريدُ حمّاماً يسمى منجاب فأدخَلَها داره يريد بها الفَاحِشةَ، فهربت منه، فتعلق قلبه بها حتى مات. وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فقال: ما ينفعني ما تقول، ولم أدع معصية إلا ارتكبتها ثم مات ولم يقلها. وقيل لآخر ذلك، فقال: وما يغني عنّي وما أعرف أني صليت لله صلاة ولا سجدت له سجدة ثم مات.

عباد الله: ومن بشائر حسن الخاتمة: الشهادة في سبيل الله، والموت دفاعاً عن ضرورة من الضرورات الخمس التي حفظتها الشريعة، وهي: الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ومنها الموت برشْح الجبين، وهو الموت بعرق الجبين؛ فقد ميّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موت المؤمن بأنه يموت بعرق جبينه. ومنها الموت ليلة الجمعة أو نهارها؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن مسلمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ أو ليلةَ الجمعةِ إلَّا وقاهُ اللَّهُ فِتنةَ القبرِ) أو يموت المسلم صابراً محتسباً بسبب مرض قدر عليه، كالطاعون والسل  ونحوه من الأمراض المستعصية، أو بسبب ابتلاء من هدم، أو غرق، أو حرق، أو نحوها. ومنها موت المرأة أثناء فترة النفاس، قال صلّى الله عليه وسلّم: (والمَرأةُ يَقتُلُها وَلَدُها جُمْعاً شَهادةٌ) ومنها الموت أثناء القيام بعمل من الأعمال الصالحة التي ترضي الله عز وجل.

أيها الإخوة في الله، أما الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة والعياذ بالله، فهي كثيرة جداً، فمن أهمها: مواقعة الذنوب والمعاصي.

والتسويف في التوبة، فتمر الأيام تلو الأيام، بل الشهور والأعوام، والإنسان على حاله، يُمَنِّي نفسه بالتوبة كل عام، أو كلما تقدم به العمر، فيا سبحان الله! من يضمن له أن يعيش ولو لحظة واحدة؟ ألا نعتبر بالحوادث والمفاجئات؟ ألا نصور أنفسنا محل من يباغتهم هادم اللذات، ومفرق الجماعات؛ ولكن نجح الشيطان أعاذنا الله منه في تزيين

التسويف عند كثير من الناس، فالشاب سيتوب في الشيخوخة، والصغير في الكبر، وهكذا والعياذ بالله.

فاتقوا الله عباد الله، واعملوا على حسن الخاتمة، وخذوا بأسبابها (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) ففي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمنكِبي، فقال : كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو كعابرِ سبيلٍ . وكان ابنُ عمرَ رضِي اللهُ تعالَى عنهما يقولُ : إذا أصبحتَ فلا تنتظِرِ المساءَ  وإذا أمسيْتَ فلا تنتظِرِ الصَّباحَ ، وخُذْ من صِحَّتِك لمرضِك ومن حياتِك لموتِك) لقد كان مكحول الدمشقي رحمه الله إذا رأى جنازة قال: اغدوا، فإنا رائحون، موعظة بليغة، وغفلة سريعة، يذهب الأول، والآخر لا عقل له. فلنتق الله يا عباد الله، ولنحرص على حسن الخاتمة، ولنسأل الله ذلك دائماً وأبداً.

اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم وارزقنا حسن الخاتمة، وأعذنا من سوئها، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يا ذا الجلال والإكرام.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، وفَّق من شاءَ لعبادته، نحمده سبحانه ونشكره على جزيلِ فضلِه ونِعمتِه، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، ونشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأزواجه وأصحابه ومَن سار على نهجِ دَعوته.

أما بعد فيا أيها المسلمون: ها قد مضت سنة هجرية كاملة، طويت صفحاتها وانقضت ساعاتها وتصرمت لياليها وأيامها، بأفراحها وأحزانها ومواعظها وعبرها ، مضت لتكون شاهدةً علينا بما أودعناه فيها من خيرٍ أو شر  مضت ولن تعود إلى يوم القيامة، غير أن ما عملناه فيها قد دوِّن وحفظه الكرام الكاتبون وسيعرض علينا في يوم القيامة كما قال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) إن على المؤمن أن يقف مع نفسه فيحاسبها حساباً شديداً على كل أعماله ما دق منها وما عظم ، فيحاسبها على كل كلمة نطق بها أو سكت عنها وعلى كل دينار أنفقه أو كسبه وعلى كل أمرٍ قام به أو تخاذل عنه إنها وقفة محاسبةٍ مع نهاية العام؟

أسأل نفسك يا عبد الله، هل أديت الصلوات الخمس كما أمر الله؟ أو كنت كمن قال الله فيهم (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) هل صمت رمضان وحججت إلى البيت الحرام؟  هل أديت زكاة مالك وكنت باراً بوالديك وصولاً لرحمك؟ هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، أم كنت ممن أضاع ذلك كله، هل رحمت الأرملة وعطفت على المسكين ولم تأكل مال اليتيم؟ هل تجنبت المحرمات ولم تعص فاطر الأرض والسماوات؟ أم كنت ممن يتساهل في الحرام ولا يتورع عن الإجرام؟ اسأل نفسك هذه الأسئلة وغيرها، ثم تذكر قول النبي صلى الله

عليه وسلم: (الكَيِّس ( العاقل) مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني)

إن العام المنصرم يا عباد الله هو من أعمارنا بلا شك كما قال الحسن البصري رحمه الله (يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك) فكيف وقد نقص من العمر عام كامل واقتربنا من الأجل (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) المؤمن والكافر والبر والفاجر  والفقير والتاجر، والمأمور والآمر، والحاكم والمحكوم كلهم على موعدٍ مع الموت كما قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ) فها أنت يا عبد الله تقترب من أجلك لتنتقل من سعة الدور والقصور إلى ضيق الأجداث والقبور، وهناك بين أطباق الثرى لا جليس ولا أنيس إلا ما قدمت من صالح العمل فمن كان من أهل الصلاح كان قبره روضةً من رياض الجنان وفسح له في قبره مد بصره وفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وريحانها،

ومن كان فاسداً فاسقاً معرضاً عاصياً لله كان قبره حفرةً من حفر النار يعذب فيه ويفتح له بابٌ إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ثم تقوم الساعة فيبعث الناس ليروا طريقهم إما إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض وإما إلى نارٍ وقودها الناس والحجارة،  كما صحت بذلك الأحاديث النبوية،  فماذا قدمت يا عبد الله لهذا اليوم العظيم، قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقال جل وعلا:(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ، وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) فنسأل الله العلي العظيم أن يحسن ختامنا في هذه الدنيا، ويستعملنا في طاعته، ويجنبنا معصيته، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها. اللهم أقل العثرة، واغفر الزلة،  وجد بالعفو على من لا يرجو غيرك، اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم ارفع عنا البلاء والوباء وسيء الأسقام والأمراض، وبارك لنا في عامنا الهجري الجديد، واجعله من أبرك الأعوام علينا، اللهم أهله علينا وعلى بلادنا، وعلى جميع المسلمين، بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والخير والبركات يارب العالمين، اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ، وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَجوار مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرِضْوَانٍ مِنَ الرَّحْمَنِ. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين. اللهم وفِّق المسئولين في فريق البحرين الوطني ورجال جيشنا وأمننا، وصحتنا وإعلامنا وجميع المتطوعين، اللهم اجزهم خير الجزاء وأوفاه، على ما قدموا للبلاد والعباد، يا ذا الجلال والإكرام… اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وكن لهم ناصراً ومؤيداً، واحقن دماءهم، وألف بين قلوبهم، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

   خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين